فصل: سنة تسع وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة تسع وأربعمائة

فيها توفي الحافظ الكبير النسابة عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري صاحب التصانيف النافعة منها كتاب المؤتلف والمختلف‏.‏

كان الدارقطني يفخمه ويقول‏:‏ كأنه شعلة نار‏.‏

وقال منصور الطرسوسي‏:‏ خرجنا نودع الدارقطني بمصر فبكينا فقال‏:‏ تبكون وعندكم عبد الغني وقال البرقاني‏:‏ ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ من عبد الغني رحمه الله‏.‏

وفيها توفي ابن الصلت محمد بن أحمد الأهوازي‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير عبدالله بن يوسف نزيل نيسابور من كبار الصوفية وثقات المحدثين‏.‏

فيها افتتح السلطان محمود بن ناصر الدولة الهند وأسلم نحو من عشرين ألفاً وقتل من الكفار نحو خمسين ألفاً وهدم مدينة الأصنام وبلغ عدد الخمس من الرقيق ثلاثة و خمسين ألفاً واستولى على عدة قلاع وحصون وكان جيشه ثلاثين ألف فارس سوى الرجالة و المطوعة ولم يزل يفتح في بلاد الهند إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية وطهرها من أرجاس الشرك وبنى مساجد وجوامع‏.‏

وتفصيل حاله في الحروب والفتح يطول شرحه‏.‏

ولما فتح بلاد الهند كتب كتاباً إلى بغداد يذكر فيه ما فتح الله عل يديه من بلاد الهند وأنه كسر الضم المشهور بسومنات و ذكر في كتابه أن هذا الصنم عند الهنود يحيي ويميت ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويبرىء من العلل وربما كان يتفق لشقوتهم برء عليل بقصده ويوافقه طيب الهواء وكثرة الحركة ويزيدون به افتناناً ويقصدونه من أقاصي البلاد رجالاً وركباناً ومن لم يصادف منهم انتعاشاً أجنح بالذنب وقال‏:‏ إنه لم يخلص له الطاعة فلم يستحق منه الإجابة‏.‏

ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجسام اجتمعت لديه على مذهب أهل التناسخ وتشبيهها فيمن شاء وأن مد البحر وجزره عبادة له على قدر طاعته وكانوا بحكم هذا الاعتقاد يحجونه من كل صقع بعيد ويأتونه من كل فج عميق يتحفونه بكل مال نفيس ولم يبق في بلاد الهند والسند على تباعد أقطارها وتفاوت أديانها ملك ولا سوقة إلا وقد تقرب إلى هذا الصنم بما عز عليه من أمواله وذخائره حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية في تلك البقاع وامتلأت خزانته من أصناف الأموال‏.‏

وفي خدمته من البراهمة ألف رجل يخدمونه وثلاث مائة رجل يحلقون رؤوس حجاجه ولحاهم عند الورود عليه وثلاثمائة رجل وخمس مائة امرأة يغنون ويرقصون عند بابه ويجري من الأوقات المصدرة له لكل طائفة من هؤلاء رزق معلوم‏.‏

وكان بين المسلمين وبين القلعة التي فيها الصنم المذكور مسيرة شهر في مفازة موصوفة بقلة الماء وصعوبة المسالك واستيلاء الرمل على طرقها‏.‏

وسار إليها السلطان محمود في العدد المذكور مختاراً له من عدد كثير وأنفق عليهم من الأموال ما لا يحصى فلما وصلوا إلى القلعة وجدوها حصناً منيعاً ففتحوها في ثلاثة أيام ودخلوا بيت الصنم وحوله من أصنام الذهب والمرصع بأنواع الجواهر عدة كثيرة محيطة بعرشه يدعون أنها الملائكة فأحرق المسلمون الصنم ووجد وافي أذنه نيفاً وثلاثين حلقة فسألهم محمود عن معنى ذلك فقالوا‏:‏ لكل حلقة عبادة ألف سنة وكلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة‏.‏

وذكروا من أخبار هذا الصنم هذياناً يطول ذكره حذفت بعضه وذكرت بعضه وبعض المؤرخين حذف الجميع وبعضهم ذكر الجميع‏.‏

ومما ذكروا عن السلطان محمود ما هو مشهور ومن فضل مذهب الشافعي معدود ما سيأتي الآن ذكره ويعلم منه فضل المذهب المذكور وفخره قضية عجيبة مشتملة على نادرة غريبة وهي ما ذكره إمام الحرمين‏:‏ فحل الفروع والأصليين أبو المعالي عبد الملك ابن شيخ الإسلام أبي محمد الجويني في كتابه الموسوم بمغيث الخلق في اختيار الحق أن السلطان محمود المذكور كان على مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وكان مولعاً بعلم الحديث وكان الناس أو قال‏:‏ الفقهاء يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع وكان يستفسر الأحاديث فوجد أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي رضي الله عنه فوقع في خلده حبه فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي وركعتين على مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما يقتصر فيهما على أقل الفروض لينظر فيها السلطان ويتفكر ويختار‏.‏

ما هو أحسنه فصلى القفال المروزي بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة واتى بالأركان والفرائض على وجه الكمال والتمام وكانت صلاة لا يجوز الشافعي دونها ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة ولبس جلد كلب مدبوغ ولطخ ربعه بالنجاسات وتوضأ بنبيذ التمر وكانت في صميم الصيف في المفازة فاجتمع عليه الذباب والبعوض وكان وضوءه منكوساً منكساً ثم استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية للوضوء وكبر بالفارسية ثم قرأ آية بالفارسية دوبرك كل سبز ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع وتشهد وضرط في آخره من غير نية السلام وقال‏:‏ أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة فقال السلطان‏:‏ إن لم يكن هذه صلاة أبي حنيفة قتلتك لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين فأنكرت الحنفية أن يكون هذه صلاة أبي حنيفة فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة فأمر السلطان نصرانياً كاتباً يقرأ المذهبين جميعاً فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وتمسك بمذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه انتهى كلام إمام الحرمين‏.‏